السبت، 4 أكتوبر 2014

رؤية و تحليلات




رؤية و تحليلات

أن الثورة الصناعية التي اجتاحت الغرب و وصلت إلى ذروتها في القرن الثامن عشر كان لها فائض أنتاج بعد أن أغرقت أسواق الغرب بالمنتجات الصناعية ؛ و كان رأس المال متوحش لا يعرف قيم و لا أخلاقيات بدليل أن العمال إلى يومنا هذا يجاهدون لانتزاع  شئ من حقوقهم  و ليس كل حقوقهم ؛ و بخبث و دهاء رأس المال الماكر تم التخطيط لاحتلال  الشرق و العالم الأسلامى  الذي فرط في هويته و معتقداته و أضحى متهرئ  يسهل افتراسه و لإثارة  حفيظة الشعوب الغربية لتكون زخم و ظهير لما يصبوا إليه الرأسماليين و تجاوز سماحة العقيدة المسيحية تم أقناع البابا و الشعوب بأن طريق الحجيج إلى بيت المقدس  بات مهدداً من المسلمين و لابد من حماية طريق الحجيج و بيت المقدس و عقيدة الصليب و تمت تعبئة العامة و بث الفتن  التي  تصب في ترسيخ و تدعيم قدسية الحروب الصليبية  و براءتها و طهارتها و الحقيقة كانت أموال المسلمين و ثروات المشرق و تسويق الفائض الكاسد الذي أفرزته الثورة الصناعية و أغرق أسواق الغرب .
و حتى بعد خمسينيات القرن العشرين كانت مصر ترزح تحت وطأة الاحتلال العسكري البريطاني الذي لم يكن احتلال عسكري فحسب بل كانت أدارة الاحتلال متمكنة من الحياة السياسية  و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ؛ فالحياة السياسية كان مجسمها أحزاب و بالعرف الوطني كان يجب أن تكون أحزاب واضعة في صلب  عملها  المواطن و الوطن و أن اختلفت برامجها و توجهاتها و لكن كانت جميعها دون استثناء مشخصنة تمارس النفاق و الرياء  و أن أبدت يافطة عريضة تنادى بالاستقلال لتذر الرماد في عيون عامة المصريين  حتى لا يروا حقيقة و الدليل على شخصنه  الأحزاب و نفاقها في ذلك العهد هو سعيها الدءوب لكسب ود اللورد و السرايا حتى  تتمكن من السلطة و تحقيق مصالح طبقية فوق وطن و مواطن و لا تستمد شرعيتها من الشعب و كانت معارك تشويه الرموز و الأشخاص على أشدها بإطلاق الإشاعات  و طباعة الكتب و توزيعها مجاناً لنشر الفضائح فلا قيم تسموا بالرجال و لا أخلاقيات تليق برجال دولة و وصلت قمة الكارثة  إلى الاغتيالات السياسية و المحتل يمرح متمكن من البلاد رغم أن عليه تعهدات و وعود بإعطاء مصر  الاستقلال نظير مساندتها له في الحرب العالمية الثانية  فالاحتلال جاء جاهز العدة و العتاد على أن لا يغادر البلاد إلى أخر رمق في قدراته الإدارية  و الفكرية و أساليبه في ضمان  التبعية و مدرك و متيقن أن هوية أمة الإسلام و عقيدتها الصحيحة هي قوة دحره و عودته إلى دياره بل و دفع فاتورة ما أفسده في الأيام السالفة  و لذا فإنه عمد للعمل بجد على عدة محاور : -
- صناعة طبقات موالية له و تؤمن به في أثواب متعددة  لأفكار و إيديولوجيات غربية مناهضة للإسلام كالشيوعية  و الاشتراكية و الليبرالية و العلمانية .
- فتح الباب على مصراعيه للتبشير  بالمسيحية بمذاهب غربية و التنصير الذي لم يستهدف المصريين المسلمين فحسب بل تجاوزه إلى المصريين المسيحيين الين لا يعرفون غير المذهب الأرثوزوكسى القديم و عندهم وطنية و تآلف و إخاء مع المسلمين المصريين  الذين هم بالأصل كانوا مسيحيين مصريين بنسبة تتجاوز 80% .
- عمد إلى تحجيم القبليات و هدمها و تضيق نفوذها حتى لا يكون في مصر كتل مؤثرة .
- أثرى روح التهكم المجتمعي بين الصعيدي و البحيرى و الفلاح و الأفندي و طور التهكم و البغض ليبلغ ذروته في بث بذور فتنة طائفية بين مسلم و مسيحي .
و حرص الاحتلال كل الحرص على أن تتمكن صنائعه من تولى سلطة البلاد و أن لم يكن الأمر كذلك فليحل انقلاب عسكري قمعي لا يسمح  بتمدد التيار الإسلامي  و استعادة الأمة لهويتها و دينها و كان انقلاب 1952 على السرايا  و في ظل هذا الانقلاب يرحل المحتل عسكرياً ليس بفضل الانقلاب و سلطته و براعته بل كنتيجة لمقاومة الاحتلال العسكري في منطقة القناة بفدائيين غالبيتهم من الأخوان المسلمين و يبقى الانقلاب العسكري الفاشل في إدارة دولة و العمل لمصلحة الوطن و المواطن و القاتل للأحزاب السياسية التي هي بالفعل مريضة عليلة  لا تصلح و كان الأجدر هو بعث الحياة فيها و علاج العور في مسلكها و أهدافها و مبادئها .
و يثور الشعب في 25 يناير 2011  و عامته يرفضون تقزم الدولة المصرية التي وصلت إلى الحضيض بفساد أتى على مصر و جرفها و أصبح 40% من شعبها في خط الفقر و 40% تحت خط الفقر و هي الدولة الغنية  بشبابها الذي لو أحسن أدارته كبند مفرد فقط لأصبحت مصر دولة عظمى و لن يضاف ثرواتها الطبيعة أو ممر ملاحي عالمي أو موقع جغرافي أو ريادية حضارية إقليمية و دولية في العالم الإسلامي ؛ و كان نتيجة ثورة 25 يناير 2011 استلام  الأخوان المسلمين السلطة ظاهرياً بإرادة شعبية مصرية و لكن الجيش يعاود الكرة و ينقلب على الأخوان المسلمين و أرادة الشعب المصري في 3/7/2013 و لن يطول عمر الانقلاب لأسباب : -
- انكشفت عورة السلطات المتمكنة من أدارة الدولة المصرية بأكملها و أصبح واضح للعيان انبطاحها و موالاتها للغرب لأن مقامة غزة الأخوانية التي لم تتجاوز بضعة ألاف من الرجال أذاقوا الهزيمة و المرارة للصهاينة و هم في كامل قوتهم و تسليحهم الذي لم يكن لهم منذ نشأة كيانهم على أشلاء العرب و المسلمين و يبقى الاستفهام المشمول بالدهشة و الذهول
- أين الأنظمة المصرية المتعاقبة من هذا العمل الذي لم يستطيعوه  عبر تاريخهم المكلل بالحنجريات و الخالي من الفعاليات ؟
- أين  الجيوش المصرية خير الجيوش العربية و أقواها ؟
- لماذا الجيوش المصرية انهزامية و لم تعالج يوماً قضية ؟
- لماذا تتعمد الإدارات المصرية المتعاقبة إفشال  أي تنمية  تحل مشكلة البطالة المتفشية في الشباب المصري ؟
- لماذا تحارب إدارات الأنظمة المصرية المتعاقبة صحيح الدين الإسلامي  و انتشار الدعوة  و استعادة الأمة هويتها و تمسكها بعقيدتها .
- تردى الأوضاع الاقتصادية و المعيشية و الخدمية للمواطن بالمقارنة للدخل العام  .

و مما يؤكد أيضاً أن الانقلاب إلى زوال و أن حكم العسكر إلى نهاية حتمية بغير رجعة قرأه المشهد التركي الذي أعدم فيه على عدنان مند ريس    أول رئيس تركي نادي باستعادة الأمة هويتها الإسلامية و لقي تجاوب شعبي في صناديق الاقتراع على غير المتوقع و المأمول  ؛ ثم تعاقبت الانقلابات العسكرية  و تضيق الخناق على البروفسور الزعيم نجم الدين أربكان  الذي عدل مسار نشاطه السياسي أربع مرات و عانى من السجون و اليوم تلميذه الزعيم رجب طيب أردوغان و أخوانه يقودون تركيا منذ أحد عشر عاماً إلى صعود مدوي يرعب الغرب و يرهق أنظمة التبعية و العمالة .

ويمكن تلخيص خطة المستعمر في ضمان مستعمراته و خضوعها له بمراحل تبدأ باحتلال عسكري فكرى ثقافي اجتماعي اقتصادي بآليات و إيديولوجيات تحل محل الإسلام و صحيح الدين مع تأجيج الفتن الطائفية و تحريك النعرة القومية و العرقية حتى لا تتماسك الشعوب و في ذروة سعى الشعوب الإسلامية للاستقلال  التام و التخلص من أذرع الاستعمار و براثن تمكنه من البلاد يكون القمع العسكري الانقلابي .

و لأن المستعمر قرأ و أستوعب المشهد التركي فإنه يمارس الجديد اليوم في ظل الظروف و المعطيات الإقليمية  حيث أنه فشل في العودة  إلى مستعمرته في العراق بالقوات العسكرية بل زاد الطين بله  النتائج العكسية بميلاد الدولة الإسلامية التي سيطرت على ما يزيد عن ثلث العراق و 80% من سوريا  و لها تواجد فعلى  و قبول شعبي و قابلة للتوسع مما يهدد مصالح الغرب الإستراتيجية  فعمد إلى لعب معلن على المسرح السياسي  العالمي يفضى إلى تواجد جميع قيادات الأخوان المسلمين بالخارج في لندن  محصنين بنزاهة مؤسسات الدولة البريطانية التي  تنصف النظيف المعتدل و بأساليب سياسية يمكن لعب لعبة العصا و الجزرة معهم حتى يستخلص الغرب المستعمر أكبر قدر من الضمانات لحفظ مصالحه في مصر و الشرق  لأن الحتمي و نهاية المطاف هو صعود الأخوان المسلمون إلى سدة السلطة و الانقلاب إلى زوال كما أنهم يفضلون الأخوان المسلمين عن الدولة الإسلامية لإمكانية التعامل و التفاهم و ما إعلان الزعيم  أردوغان عن استعداده لاستضافة قيادات الأخوان المسلمين في بلاده ما هو إلا دخول على الخط السياسي حتى لا يغالى الغرب في الضغط و المساومة .

ليست هناك تعليقات: