الاثنين، 26 أكتوبر 2015

من ذكريات كانت

من ذكريات كانت
Picture 026.jpg
لقد كنت فى أواخر ثمانينات القرن الماضي فى بلاد الجن و الملائكة فى عاصمة النور و ركبت قطار الليل السريع من باريس إلى مارسليا لأقطع رحلة عبر الأراضي الفرنسية من  شمالها إلى جنوبها و أنا نائم لا يوقظني أحد إلا الكمسرى مرة واحدة و عند السادسة صباحاً كنت فى مارسليا و دفعني الفضول إلى التجوال من محطة القطارات التي تقع على هضبة مرتفعة عن مستوى سطح البحر بحوالي 20 فسرت منحدراً فى طرقات تنحدر إلى سهل البحر المتوسط لأتعرف لأول مرة فى حياتي على جزء من تلك المدينة و التى كانت شبه هادئة و ليست نائمة بالكلية فقد كان عمال نظافة الطرقات فى عمل و عمال صيانة الكابلات الأرضية للهواتف فى عمل تحت الأرض و حول منفذ نزولهم تحت الأرض سياج من شريط أصفر ظاهر للعيان ملفت للنظر بذوق رفيع و جمال و ما أخذ لبى أن عمال نظافة الشوارع  يكنسون المتساقط من ورق الأشجار و ليس هناك أثر لنفايات البشر و أعقبوا ذلك بمد خراطيم المطافئ من أماكن تغذيتها بالمياه إلى كل الطريق ليغسلوه و يغسلوا الأشجار التي يخرج منها سمفونية غضب و احتجاج تعزفها العصافير الساكنة لتلك الأشجار و المياه الهادرة الكثيفة تجرى من أعلى الشارع إلى أسفله و تختفى بسرعة فى فتحات الصرف الصحي و الأسفلت يبرق و كأنه رصف لتوه و نظف و ليس عليه ذرة تراب و جذبني ثلاثة شبان ملامحهم عربية و
 قال : -  أحدهم أنه لي أنه مصري

 فقلت : - نعم مصري

 فقال : - أنا أحمد من الإسكندرية  هذان مراد جزائري و حمودة تونسي و هذا المقهى لنا و ندعوك لتناول قهوة الصباح معنا  بعد أن نفتح و نمهد لعمل اليوم و لابد أنك من رواد أحد المكاتب فى هذه المنطقة و وصلت على ظهر قطار الليل فستنظر معنا لساعة أو ساعة و نصف حتى تدب الحركة و يبدأ العمل ؛ فشكرته و بقيت معهم أتسامر و نشرب القهوة و أتفرس الزبائن المتوجهين إلى العمل و أحدث نفسى بهمس داخلي كيف أن هؤلاء الناس بهذه الحالة من النظافة و التقدم و الرقى و النشاط و الانضباط و تحضرني مقارنة أريد عقدها و لكنها لا تعقد لأن الفروق و المقومات كبيرة كبيرة و انتبهت إلى أن موعدي قد حان فصافحت أصدقائي الجدد و انصرفت.

ليست هناك تعليقات: