الأمني و الدبلوماسي و التجربة

أن خيار الحل الأمني لمشكلة التمرد أو
الاختلاف الإيدلوجياً لا يجدي نفعاً و لا يأتي بنتائج إيجابية إلا عندما تكون بؤرة
التمرد محدودة الانتشار و أواصر ارتباطها و تغذيتها اللوجستية و التسليحية معلومة
و محدودة ؛ و كذلك الامر لجماعة الاختلاف الإيدلوجيا عندما تكون محدودة في عدد النشطاء و المؤيدين و
الداعمين لها .
أما إذا كانت مشكلة التمرد واسعة الانتشار و
ذات بؤر عنقودية منظورة و غير منظورة و مرتبطة بالمعلن و الخفي من روافد الدعم
اللوجستي و التسليح ؛ و عندما تكون جماعة الاختلاف الإيدلوجيا واسعة الانتشار و
يصعب حصرها و حصر نشطائها فضلاً عن مؤيديها و الداعمين لها فإن خيار المواجهة الأمنية كقرار من سلطة القيادة و
السيطرة يعد صنف من أصناف الانتحار و الأقدام على التهالك و الاستنزاف و أن زوال سلطة القيادة و السيطرة قادم لا
محالة و يحكم ذلك عوامل الوقت و برمجيات التنفيذ و تسلسل خطواته ليس إلا و لا يؤخر
ذلك أو يوقفه إلا قراءة دبلوماسية دقيقة
للمواقف و أبعادها و حسابات سليمة للمكسب و الخسارة المادية قبل المعنوية لأن قوام
أي سلطة مهيمنة مال و سلاح ثم من بعد قراءة جيدة و حسابات دقيقة على أساسهما شروع في
مفاوضات فيها تنازلات لن تصل بأي حال من الأحوال إلى الخسائر المادية و المعنوية في
الخيار الأمني و قد تطيل عمر السلطة أو تبقيها بشروط الأخذ و العطاء .
و قد يكون ما أسلفت من كلمات و جمل مجمل مبهم
يحتاج إلى تدليل و نماذج تاريخية للتصديق عل صحته من عدمها
فبالنسبة للتمرد المحدود كان جماعة بادر و ما
ينهوف اليسارية الألمانية العنيفة ذات
التوجه للدعم الإنساني للمقهورين و المغلوبين على أمرهم و دعمت القضية الفلسطينية
بعمليات نوعية و لكنها لم تستطيع استقطاب اليسار الألماني فحلت نفسها مع أصرارها
على الفخر بمجيد أعمالها و تاريخها و نفس الشيء و المصير كان للألوية الحمراء
الإيطالية و الجيش الأحمر الياباني .
أما بالنسبة للتمرد واسع الانتشار نجد
بريطانيا الدولة النووية و ذات التسليح النوعي بالنسبة لمعظم جيوش العالم و
التدريب فوق الفائق كان لديه المشكلة الأيرلندية الشمالية و الجيش الجمهوري
الأيرلندي و ما استمرت في مواجهته أمنياً
بل دخلت في مفاوضات مع الشين فين بزعامة جري آدمز و هو الجناح السياسي للتمرد
لتوقف التفجيرات و تجمد أسباب الصراع و الأزمة و تمضى بريطانيا كدولة قوية في قدراتها
الاقتصادية و السياسية على الساحة الدولية .
كما أن أسبانيا التي تأجج فيها حرب أهلية في النصف
الثاني من القرن الماضي و نزعات انفصالية تم علاجها بصورة عسكرية دكتاتورية على يد
الجنرال فرانكو الذى حفر لنفسه أخدود من ألم و مرارة في تاريخ هذا البلد يسمى حقبة
الفرانكزم كمرادف للدكتاتورية و التعسر
الاقتصادي و لكن عندما تسلم المدنيين دفة قيادة البلاد قفز هذا البلد إلى المرتبة
15 كأقوى اقتصاد عالمي مع استمرار نعرات الانفصال و التمرد كإيتا في أقاليم الباسك
و المجاهرة الانفصالية في إقليم كتالونية و مطالبات غجر الخيتانو بحقوق لهم إلا
أن الدبلوماسية مازال فيها متسع و عندها المقدرة على احتواء كل ذلك و اظهار أسبانيا
كدولة واحدة و وحدة مهمة في الوجود الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي العالمي .