السبت، 16 أكتوبر 2010

فتي المطعم

تخرج صلاح من مدرسة الصنايع و راح يجوب أرجاء مدينته و بيئته المحيطة عسي أن يجد عمل يتناسب مع مؤهله وفي نفس الوقت يحقق له دخل يستطيع منه مع الأيام أن يؤسس أسرة و لكنه للأسف لم يجد إلا أجور هزيلة تكاد تسد رمقه    و لا أمل في مستقبل فاستمر في البحث عن الأجر و صرف نظره عن توظيف مؤهله في العمل المنشود و بعد دراسته الميدانية لسوق العمل المتاح وجد لديه شيء ما تولد نتيجة ملازمته لامه التي يحبها و التي كانت سيدة بيت من الدرجة الأولي تعد أشهي المأكولات وتقدم أفضل العصائر الطازجة و المشروبات الساخنة فقد اكتسب منها الكثير في هذا المجال و اطرق مليا يفكر ويهمس إلي أعماق لما لا ابحث عن عمل و لو مساعد في مجال إعداد المشروبات والطعام فان الدخل سيكون مناسب و إذا ما  اجتهدت و أصبحت رئيس في هذا المضمار فان الدخل سيكون شبه المطلوب وجد فوجد ما صبي إليه و أحبه كل من حوله لجده وبساطة شخصيته    وصراحته و بعد سنوات أربع وجد معه مبلغ من المال لا يكفي لتكوين أسرة                           و استشار كل من حوله و كانت النصائح بان يعمل عمل إضافي في مقصف احد البنوك من التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء و يعود للعمل في المطعم من الخامسة مساء حتى الواحدة و قد يمتد العمل حتى الرابعة صباحا في أيام العطلات و تحمل صلاح علي نفسه و نفذ المشورة و اغتنم الفرصة التي أتيحت راكضا خلف أمله و حلمه أن يكون رجلا بين الرجال و له أسرة 0 وبعد عام وجد انه بالإمكان أن يسكن في بيت دور ارضي لا تدخله شمس ونسبة الرطوبة فيه عالية و أقدم علي الزواج و أخيرا تحقق حلمه و أصبح رب أسرة ومرت الشهور و لم يكتمل العام و هو في طاحونة البنك و المطعم و رزقه الله بطفلة و قوي حماس صلاح و نشاطه ليكون لدي أسرته رصيد متطلعا إلى مستقبلا آمن له لأسرته و ما أن مرت أربعة أشهر إلا و مرضت طفلته و أشار الأطباء بالعلاج و تغير المسكن بمسكن آخر صحي جاف يدخله الشمس و كالعادة يطرح صلاح كل أحواله علي من حوله و يطلب منهم الرأي و المشورة و المساعدة و تفضل أحد رواد المطعم من ذوى المناصب و السلطة علي صلاح بمساعدة في الحصول علي شقة إسكان شباب المستقبل التابع للمحافظة و كان ما لدى صلاح من أموال مع سلفه يمكن أن يسددها تفي بالغرض و لم يتردد في اغتنام فرصة سكن أفضل و سدد جميع ما عليه من التزامات ليأخذ تراخيص من المحافظة لإدخال الماء والكهرباء و اجبر علي ترخيص التليفون و هو لا يريده و دخل مسكنه الجديد ليجد به كهرباء و لكن ليس به عداد للكهرباء فهرع إلي المسئول عن الكهرباء بالحي الجديد فقال له يا هذا ماذا أفعل لك و كل ما يصل إلي كل شهر مائة عداد فقط لا غير و هناك من هم قبلك في مراحل سبقتك و لهم دور قبلك فانتظر حتى يأتي دورك و دخل صلاح شقق يتم تشطيبها ليسأل فنيين تركيب الكهرباء فقال له المشرف قول يا باسط نحن ندخل الكهرباء و نترك في وصلة العداد سلك زائد إلي أن يصل العدد نقطع السلك و ندخل و نخرج من العداد و كل الشقق المسكونة بها كهرباء هو الناس بتعيش في الظلام و بدون ثلاجة و تلفت إلى الشقق المسكونة حوله وجدها على نفس نمط شقته فهدأ باله قليل و لكنه يقر في أعماق ذاته أن هناك شيء ما خطأ و مر عام و بعده عام و لم يركب عداد الكهرباء 0 و ذات يوم و في الثانية صباحا تدخل شرطة الكهرباء علي صلاح و عدد كبير من جيرانه و تقبض عليهم و تعنفهم إذا ما اعترضوا علي أنهم لصوص يسرقون الكهرباء و المال العام و يرتكبون خطأ كبير في حق أمن الدولة و يعامل الجميع معاملة المجرمين و يقادوا إلي السجن التحفظي حتى يعرضوا علي وكيل النيابة بعد أن أعدت لهم محاضر بالسرقات و قضوا جميعا ليلة مع مرتكبي الجرائم في السجن و في اليوم التالي آخر النهار تم عرضهم على وكيل النيابة ليروى كل واحد منهم قصته مع السكن والمحافظة و الكهرباء و الماء و يقدم إيصالات التسديد و ينبري حاجب وكيل النيابة قائلا عند عرض صلاح عليه و أنا يا سيدي الوكيل مثلهم و لي شقة في حيهم و وضعي هو وضعهم فقال وكيل النيابة ضع نفسك في السجن معهم واستدعى مسئول عدادات الكهرباء و فنيين توصيل الكهرباء فكانت أقوالهم مطابقة لأقوال سكان حي شباب المستقبل فأتخذ وكيل النيابة قرار بالإفراج عن الجميع بكفالة و أن تأخذ المحاضر دورها لتحصل الدولة و شركة الكهرباء حقوقها مقابل استهلاك الكهرباء بالتقدير الجزافي إلي حين تركيب عدادات الكهرباء و بعد يومين عصيبين عاد صلاح إلى دوامة عمله و نحن نداعبه و نقول له كفارة أسوة بعتاة المجرمين الذين مضوا فترات العقوبة على ما اقترفوه من جرائم و هو بنفس منكسرة ذليلة يبتسم ويقول أنى دائما كنت اشعر أن هناك شيء ما خطأ وكل ما حدث استحقه و لكن ما ألمنى هو صفع شحاتة أبو كف لي علي قفاي و هو يقودني إلي سيارة الترحيل و يقول لي بغلظة " سرع يا أبن ----------! " فقلت له هون عليك يا صلاح أنت صاحب حقوق عدة في هذا الموضوع:-
أولا :- مع شحاتة أبو كف و وزير الداخلية  0
ثانيا :- وزير الكهرباء و شركة الكهرباء و أسلوب تعاملها مع جمهور المواطنين0                                       
ثالثا :- وهذا الأهم مع رئيس الجمهورية 0
و يمكنك أن ترفع عليهم قضايا و تكسبها وتأخذ حقك منهم فقال لي يا أستاذ اتركني في حالي أنا بمشي جنب الحيطة 0 في كهرباء سددت كل ما علي من التزامات مالية و الحاجة ماسة لاستخدامها يوميا و حدث ما حدث لي فما بالك في قضايا ارفعها علي رئيس الجمهورية و وزير الكهرباء و وزير الداخلية يا خبر ابيض أتريد مني أن لا أري  الشمس أم ادفن حيا اتركني في حالي و ربنا يستر علينا فقلت له يا بني المسئول عن النظام الإداري في الدولة  السيد رئيس الجمهورية و المسئول عن النظام الإداري للكهرباء في الدولة السيد وزير الكهرباء  و المسئولعن النظام والأداء القانوني في وزارة الداخلية 0
و في الشكل العام وزارة الداخلية أدت عملها مع بعض الخروج و وزارة العدل أدت عملها مع مراعاة الحالة الإنسانية و نفذت روح القانون لا النص و أنت و من معك لهم حقوق واجب أن يدافعوا عنها و يحصلوا عليها فقال لي شكرا اتركني أعيش و الحمد لله أن ما حدث لم يكن أكثر من ذلك0
و إن كان لي تعليق ساخر مر فانه "صلاح مواطن يتمتع بحقوق المواطنة"
وتمضي الأيام ويستمر صلاح في أعماله و رمقته ذات يوم يزيد من الاهتمام و البشاشة بأحد رواد المطعم يظهر عليه ملامح عرب الخليج وما أن مر أمامي لاحظت في جيب سرواله الخلفي جواز سفر فجذبت أطراف الحديث معه قائلا هل ستسافر خارج البلاد يا صلاح ؟ أجاب نعم سأسافر وأشارك أخ سعودي في مطعم بالرياض و قد جاء لي بفيزا سائق فقلت له يا صلاح إن منطقيات ما تقول تبعث علي القلق و الشك و الريبة فكيف تكون شريك في مطعم و الفيزا سائق دقق في موضوعك جيدا فكم من مشكلة كانت لمصريين مثلك وكان سببها الكفيل التي هي اقرب إلي الرق منها لاستئجار أجير أو مشاركة شريك فقال لي يا أستاذ لقد كتبت معه العقود بالنسبة للمطعم و الفيزا ما هي إلا وسيلة اقل تكلفة لنصل إلي ما نريد وفي أسوأ الأحوال سيكون دخلي ثلاث أضعاف دخلي في مصر و لن التقي و شحاتة أبو كف مرة أخري والحق أقول لن أعود مرة أخري إلي هنا0             
ورحل صلاح و لا أظن أن له عودة
وشرد ذهني إلي البحر الأبيض المتوسط إلي هؤلاء الذين بذلوا الغالي و النفيس و دفعوا الأموال المملوكة و المقترضة ليلقوا حتفهم غرقا إنهم من جيل صلاح فتري ما هي دوافعهم لتكون هذه مصائرهم ؟
إنها قضية تحتاج إلي بحث و تدقيق و معالجة لصيانة كرامة مجتمع ممثل في دولة و حفظ حقوق إنسان استخلفه الله في الأرض لا أن تكون روايات تروي و حكايات تحكي و قصص تتناولها الأقلام أو يلقي عليها ضوء أعلام 0   

ليست هناك تعليقات: