السبت، 24 أغسطس 2013

قصاقيص فيسبوكية 22




قصاقيص فيسبوكية 22

·         هل المعارضة السياسية خروج على الحاكم ؟
يجيب على هذا السؤال
أ.د. عبدالرحم البر
===========
أستاذ علم الحديث في جامعة الأزهر الشريف
وعضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين
دائما ما تلجأ الأنظمة الاستبدادية إلى علماء الدين ورجال الإعلام لتجميل وجوههم القبيحة وتبييض صحائفهم السوداء، من خلال ترويج الفتاوى الخاطئة والمفاهيم المغلوطة ، ومن خلال قلب الحقائق والتدليس على الناس، حتى يروا الحق باطلا والباطل حقا، وهذا هو التلبيس الذي أشتهر به اليهود وتعلمه منهم أهل النفاق والكذب في طول الدنيا وعرضها، وقد واجه الله اليهود بهذا الصنيع الفاسد منهم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى (يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وتَكْتُمُونَ الحَقَّ وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) .
ومن ذلك ما يروجه المستبدون عبر فتاوى بعض الشيوخ من أن المعارضية السياسية للحاكم هى خروج غير مشروع عليه بدعوى أن الشريعة توجب طاعة ولي الأمر، وأن المعارضة تتعارض مع هذه الطاعة الواجبة، هكذا بكل بساطة تصبح الأمة بهذه الفتاوى عبيدا لدى الحكام، وتصبح مهمة عالم الدين إسكات أي صوت حر ينتقد تصرفا من تصرفات الحاكم، وربما زاد العالم في فتواه من باب إبراء الذمة : دعوة الناس إلى الصبر على ظلم الحكام، وانتظار ما يأتي به القدر أو انتظار ثواب الصبر يوم القيامة، وهؤلاء العلماء بذلك يقدمون برهانا عمليا للنظرية الماركسية التي ترى أن الدين أفيون الشعوب، وأن دور العلماء تخدير الناس وتسكينهم حتى لا يطالبوا بحقوقهم في الحرية والعيش الكريم وإقامة العدل ومواجهة الظلم.
وهذه كلها مفاهيم تتناقض مع حقيقة الإسلام الذي يرفض الإكراه في الدين فضلا عن الإكراه في الرأي والسياسة، والذي يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من أعظم فرائضه تتميز بها أمة الإسلام حتى تصبح خير أمة (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولَوْ آمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ المُؤْمِنُونَ)، وحفلت آيات الكتاب العزيز وأحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ببيان أهمية هذه الفريضة، وكيف كان إهمال بني إسرائيل لها هو السبب في لعنهم وهلاكهم (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
بل أختصر النبي صلى الله عليه وسلم الدين في تقديم النصيحة للجميع بمن فيهم الحكام حين قال "الدين النصيحة" قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم "، و لهذا أعتاد الصحابة و خيار الأمة تقديم النصيحة و القيام بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر للحكام فأولي الأمر ، دون خشية أو رهبة، كيف و قد جعل الإسلام النكوص عن قول الحق خوفا أو خشية من ذوي السلطان سببا للعذاب الشديد، حين يسأل الله العبد يوم القيامة : " ما منعك أن تقول الحق ؟ " فيقول : خشية الناس ، فيقول له الحق سبحانه " فإياي كنت أحق أن تخشى " .
و حتى لو كان الحاكم ظلما يخشى بأسه إذا تمت مواجهته بالحق فإن النطق بالحق في وجهه يعد أفضل الجهاد، وإذا بطش هذا الظالم بالناصح بالحق فإنه يكون مع سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب في درجته في الجنة .
إن المعارضة السياسية ليست إلا لوناً من ألوان النصيحة الشرعية الواجبة ، و بابا من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي أمرنا الله به ، و قد توافقت كل أمم الأرض اليوم على ضرورة وجود المعارضة السياسية و على دورها الكبير في منع الحكام من الأستبداد، و حماية الأوطان من الوقوع في الهاوية و هو ما سبق إليه الإسلام بفضل الله تعالى .

ليست هناك تعليقات: