الاثنين، 7 يناير 2013

أ.د. محمد المحمدى الماضى يكتب: الثورات العربية ودول الخليج.. فرص أم تهديد »بوابة الحرية والعدالة

أ.د. محمد المحمدى الماضى يكتب: الثورات العربية ودول الخليج.. فرص أم تهديد »بوابة الحرية والعدالة


أ.د. محمد المحمدى الماضى يكتب: الثورات العربية ودول الخليج.. فرص أم تهديد
2013-01-07 14:32:04
كتبه : أ.د. محمد المحمدى الماضى

لقد فوجئنا باعتبارنا متابعين ردود فعل متباينة من دول الخليج الشقيقة تجاه ثورات الربيع العربى عموما ومصر على وجه الخصوص. فمنها من اتخذ موقف المتوجس، ومنها من اتخذ موقف المراقب، ومنها من اتخذ موقف المعادى المجاهر بعدائه.
حاولت أن أتفهم الدوافع وراء ذلك وهل تنطلق من بعد ووعى إستراتيجى واضح، أم مجرد مخاوف نفسية محضة، وكيف تنظر هذه الدول لتلك الثورات وما قد تمثله لها من فرص أم تهديدات؟
وبداية فهناك وجهتا نظر؛ الأولى تعتبر هذه الثورات إضافة وفرصة لدول الخليج من عدة جوانب أهمها:
1- أن وجود دول عربية ديمقراطية قوية حديثة وخاصة مصر بشعبها المحب بطبعه لدول الخليج للروابط المتعددة والمتداخلة، يعتبر ظهيرا ومعينا إستراتيجيا لتلك الدول، خاصة فى ظل تهديدات إقليمية من بعض دول الجوار.
2- فمعظم شعوب دول الربيع العربى وخاصة الأقرب مثل مصر واليمن ساهمت وما زالت فى التنمية لدول الخليج فى شكل منافع ومصالح متبادلة تزيد من العلاقات الإيجابية بينهما.
3- كما أن دول الربيع العربى بطبعها وما ورثته من مشاكل ستظل فى حاجة إلى التعاون والتكامل مع دول الخليج العربى، بما لديها من طاقة بشرية تعتبر رصيدا حقيقيا فى مواصلة برامج التنمية لتلك لدول.
4- كما أن المتوقع فى دول الربيع العربى أن تؤسس لنهضة وتنمية شاملة فى كافة المجالات وخاصة التنمية البشرية، بعد سنوات من المعاناة والحرمان، وهذا سوف ينصب بشكل مباشر وغير مباشر فى المصالح الإستراتيجية لدول الخليج التى تفتقر أساسا للموارد البشرية الكافية لتحقيق أحلامها فى التنمية، عكس دول الربيع العربى الأكثر كثافة من حيث البشر.
5- ليس هذا فحسب، بل إن زيادة معدلات الشفافية والعدالة الاجتماعية، وانخفاض معدلات الفساد، والاستقرار السياسى والاقتصادى والتشريعى، سوف يتيح سوقا مربحة للاستثمار المباشر لفوائض الأموال الهائلة فى فرص استثمار حقيقية وإستراتيجية تعود بالنفع المتبادل لكلا الطرفين، خاصة بعد أن أصبحت دول الغرب سوقا طاردة وغير مربحة بعد معاناة الأزمة المالية العالمية التى كبدت دول الخليج وحدها خسائر مباشرة لا تقل عن تريليون دولار، وكان من أهم آثارها ما حدث من عجز مالى شديد لدى حكومة دبى، بعد ما توهمنا جميعا أنها معجزة اقتصادية فى المنطقة العربية، مما جعلها على وشك إعلان إفلاسها لولا تدخل كل من أبو ظبى، وكذلك نظام مبارك الذى منحها مليارات الدولارات غير الشرعية، وهو ما يفسر سر هرولة رموز هذا النظام لدبى بعد الثورة.
6- إن أهم فرصة أشير إليها فى دول الربيع العربى يمكن أن تفيد منها دول الخليج، هى المراجعة الشاملة والصريحة لهياكلها الإدارية التى تعتبر وسيلة وليست غاية وأنها متغير تابع وليست متغيرًا مستقلا، أى أنها يجب أن تستجيب لكافة المتغيرات المحيطة خاصة ونحن أصبحنا فى عالم الاتصال والاتصالات والتكنولوجيا الحديثة وعولمة المعرفة، والانفتاح الكامل والتأثير المتبادل السريع الذى لا يمكن وقفه ولا حجبه، ولا أحب أن تقع حكومات دول الخليج فى الخطأ الإستراتيجى نفسه الذى وقعت فيه الأنظمة الشمولية الاستبدادية فى دول الربيع من تجاهل مطلق لكل آليات وسنن التغيير والتطور، وتشبثها بالجمود المطلق مما أعمى بصرها وبصيرتها عن الاستجابة لمتطلبات الرياح مما أطاح بها بشكل مفاجئ وقوى.
7- ولعل مراجعة شاملة ومتأنية لهياكل ونظم الحكم والإدارة لدى هذه الدول، وإعمال آلة التطوير الإرادى المخطط والمتعمد لها بواسطة أولى الأمر فيها، ومن خلال مشاركة شعبية حقيقية، يمكن أن يحقق لهذه الدول حكاما وشعوبا، درجة من الاستقرار، والاستمرار الآمن والمواكب لمجريات العصر، وعدم إضاعة هذه الفرصة هو ما أتمناه وكذلك كل عربى مخلص، فنحن نحب كافة الشعوب العربية ونتمنى لها الخير باعتبارها جزءًا أصيلا منا ونعتبرها امتدادا إستراتيجيا لنا كما نعتبر أنفسنا كذلك امتدادا إستراتيجيا لها.
كما أن هناك وجهة نظر أخرى ترى أن ثورات دول الربيع العربى يمكن أن تمثل تهديدا لحكومات هذه الدول، ويتبلور هذا التهديد الأوحد فى تخوف حكوماتها من انتقال عدوى تلك الثورات إلى شعوبها، حال نجاحها فى تأسيس نظم ديمقراطية حقيقية والقضاء على كافة مظاهر الفساد والاستبداد التى سادت أحقابا من الزمان.
ويبدو حتى الآن أن وجهة النظر الثانية هى للأسف التى تسيطر على صانعى القرار فى دول الخليج، مع اختلاف ردود أفعالها، ووسائل التعبير عنها، والأكثر أسفا وإيلاما، أن بعض تلك المخاوف قد تحول إلى وسائل وآليات تعمل بشكل خفى أو جلى لإفشال تلك الثورات، وعدم إتاحة الفرصة لاستكمال مسيرتها نحو إنتاج نظم سياسية واقتصادية واجتماعية أكثر ديمقراطية وشفافية ونزاهة.
ولقد اتخذ ذلك السعى أشكالا متعددة، من دعم للثورة المضادة بالمال والتوجيه، والإعلام، والإيواء، كما هى الحال فى أبو ظبى ودبى، واللتين تطور موقفهما بشكل بلغ غاية السفور والفجور فى تجاوز كل الحدود والأعراف الدولية والأخوية؛ حيث شنتا أخيرًا حملة اعتقالات لمجموعة من المصريين العاملين هناك ممن تعتبرهم متعاطفين مع الثورة المصرية ولا يتماشون مع خططهما فى إفشال الثورة، لدرجة أن د. أحمد جعفر -وهو صحفى- كان قد أعلن على حسابه الشخصى على فيس بوك أنه رفض قبول دعوة وجهت له مع مجموعة من الإعلاميين المصريين فى دبى لدعم حملة شفيق، فاعتبر ذلك فيما يبدو جريمة كافية لاعتقاله ضمن من اعتقلوا...!
فى الحقيقة تعتبر حكومات الخليج فى مرحلة تاريخية فارقة تحتاج إلى رؤية إستراتيجية واضحة وصحيحة، حتى لا تنزلق فى تصرفات غير محسوبة بشكل صحيح، فتجعل من حدوث ما تحذره وتخشاه.
أما عن تلك المواقف الأخرى الأكثر ترددا وترقبا من باقى حكومات دول الخليج، فإننا نطمع أن ينحازوا إلى جانب العقل والمنطق ويغلبوا المصلحة الإستراتيجية الأبقى لهم ولشعوبهم، ولكافة الدول العربية، وأن يتوجهوا جميعا إلى استثمار الفرص الحقيقية التى صنعتها ثورات الربيع العربى لتجديد نفسها ونظمها. خاصة أن كافة دول العالم بما فيها الأكثر عداءً لتلك الثورات قد أدركت أن رياح التغيير التى بدأت تهب لا يمكن لأحد مهما كانت قوته أن يوقف مدها، أو يغير مسارها؛ ولذلك بدأت تجاريها ولا تعاديها.
فأى البديلين تختار؟ إن ذلك يتوقف على إدراك حكومات دول الخليج الشقيقة بحقائق ما يجرى من متغيرات حولها، فإن هى تجاهلتها، بل شرعت فى إيقافها ولم تتعظ بمن سبقها، فسوف تكون الطامة الكبرى التى لا نتمناها، وأما إذا نظرت للجانب الإيجابى واستثمرت الفرص وهذا ما نتمناه، فسوف تكون المنجاة للجميع، وهو ما نتمناه.



أستاذ إدارة الإستراتيجية بجامعة القاهرة

ليست هناك تعليقات: